زواج أحد الزوجين لا يعني عدم الوفاء!


الأحد 3 صفر 1429هـ -10 فبراير 2008م - العدد 14475
زواج أحد الزوجين لا يعني عدم الوفاء!
مجدي شلبي
تعقيباً على مقال "وفاء الزوجة في مهب الريح!!" المنشور بجريدة (الرياض) في صفحة الرأي بتاريخ 2008/2/2:
لقد صدق الأخ سعود المقحم فيما أورده من عنوان (وفاء الزوجة في مهب الريح!) من حيث كونه عنواناً لا يدين (نون النسوة) بقدر ما يلخص حالة الزوجات اللائي دفعت بهن (ريح الزجر و العنف و الاضطهاد) من زوج راحل، إلى تحين لحظة الانعتاق من أسر عدة وفاته غير مأسوف عليه!... حينئذَ ينطلقن فَرِحَات بالحرية التي حُرِمَن منها لسنوات...
فمنهن من تلزمها مرارة الذكريات و بشاعة العشرة مع (المرحوم) - الذي لم يرحمها و هو على (قيد) الحياة - إلى عدم تكرار التجربة رافعة شعار (من لدغتها الحية تخشى الحبل)! فتؤثر أن تهب بقية عمرها و شبابها النضر الغض لتربية الأبناء متسلحة بحنان أم و حزم أب، و لا شك أن هناك نماذج لأرامل عديدات نجحن في أداء هذا الدور بمفردهن على أكمل وجه.
و منهن من يجذبها الشوق نحو الضوء المبهر كفراشة زهر، فإما أن ينير لها هذا الضوء عُتمة الطريق، و إما أن يدفعها نحو حريق أدهى من سابقه و أمر!
و أعود إلى ما أورده الأخ سعود من دعوة لإيقاف هرولة المترملة نحو صالات الأفراح و الرقص كبنت في سن العشرين"... و تلعب لعباً يلهب المشاعر و يثير الشجون"... فأضع ظلاً أحمر تحت تلك العبارة، و سؤالاً أداعب به كاتباً يملك أدوات التعبير و جزالة اللفظ و دقة الوصف: تُرى مشاعر من التي التهبت... و شجون من التي تمت إثارتها بالضبط!
إن هذا المقال يحمل دعوة ضمنية لجميع الأزواج الأحياء أن يكرموا زوجاتهم و يحسنوا معاملتهن، من باب الحرص على مستقبلهم في الحياة و سمعتهم بعد الوفاة - فدعوة المظلومات من الزوجات مستجابة بلا أدنى شك - فاحذروا دعواتهن أيها الأزواج قبل فوات الفوت!، و لا تجعلوا حقوق المرأة مرهونة - لاقدر الله - بواقعة الموت!.
و بالعودة إلى مضمون المقال المشار إليه نجد الكاتب قد ربط ما بين الوفاء و ما بين إهدار حق الأرملة - التي انقضت عدتها - في الزواج!
فإذا كان لفظ (الوفاء) في اللغة يعني المحافظة على العهد و إتمامه، و هو ضد الغدر فهل هناك عهد و ميثاق بين الزوجة و الزوج منصوص عليه في العقد مفاده: عدم الزواج بعد وفاة أحدهما!
و السؤال بطريقة أخرى: هل من حقنا أن نقيد حقاً أطلقه الشرع!
إن الأمثلة من التاريخ الإسلامي السمح التي تؤيد حق الزوج - رجلاً كان أو امرأة - في الزواج بعد وفاة (شريك أو شريكة العمر) تفوق الحصر:
فقد تزوج النبي الكريم صلى الله عليه وسلم من السيدة خديجة و هي كانت متزوجة من قبله باثنين... و قد زوج ابنته أم كلثوم لعثمان بن عفان رضي الله عنه بعد وفاة ابنته الأولى رقية... و تزوج الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من عائشة قبل انقضاء شهر واحد على وفاة السيدة خديجة، و تزوج علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعد وفاة فاطمة بسبع ليالٍ...
فالزواج بعد وفاة أحد الزوجين لا يحمل أبداً معنى عدم الوفاء... أما عندما ترى إحدى الزوجات أن تظل أرملة فلا تتزوج بعد انقضاء عدة زوجها مثلما فعلت نائلة بنت الفرافصة رضي الله عنها؛ فهذا شأنها الخاص و قرارها الذي لا ينبغي أن نعتبره نموذجاً ملزماً للأخريات... فضلاً عن المقارنة غير العادلة بين الرجال الآن، و زوجها الذي قتل بين يديها عثمان بن عفان رضي الله عنه.
و خلاصة القول: لا ينبغي لنا أن ندعو لسلب حقوق المرأة التي كفلها لها الدين و الشرع رضوخاً لعادات و تقاليد و مفاهيم خاطئة...
و لا يفوتني في نهاية هذا التعقيب إلا أن أشيد بما عرج عليه الكاتب من موضوعات ربطها بالموضوع ربطاً جيداً و يحتاج كل منها إلى أكثر من مقال... كمسألة عمليات التجميل و (الترميم) - بحسب اللفظ الساخر الوارد بموضوعه الشيق -.
شكراً للأخ سعود بن عبد الرحمن المقحم الذي يقتحم بجرأته المعهودة قضية العلاقة بين الرجل و المرأة في الحياة... - و بعد الوفاة أيضاً - فيثير حول مقالاته جدلاً كبيراً و نقاشات لا تكاد تنقطع...
و تحية لجريدة "الرياض" التي أفردت تلك المساحة الحرة لعرض الرأي و الرأي الآخر بحرية قلما نجدها في غيرها من الصحف العربية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ