بين المظهر والجوهر!


بين المظهر و الجوهر!
مجدي شلبي

إن قضية القضايا في العصر الحالي هي الانفصال الحاد من الضد إلى الضد بين الشكل و المضمون، بين المظهر و الجوهر، الأفعال و الأقوال، الوزن و القيمة، المتن و الثيمة، الظاهر و الباطن، الشكلانية و العمق، العبادات و المعاملات، السر و العلن، القلوب و الأبصار، الروح و الجسد، القشور و المقاصد، و المبادئ النظرية و السلوك العلمي... حتى أضحى مألوفاً لدينا أن نرى الضدين معاً و في آن واحد؛ كاجتماع البخل الداخلي و الكرم الخارجي!.
إن اضطراب العلاقة بين المظهر و الجوهر يؤدي حتماً لاضطراب حياة الإنسان، و إحساسه الدائم بالقلق و التوتر و الانفعال، و بالتالي يُعد مصدراً للكثير من آفات المجتمع. فبعض الرجال يرتدون العديد من الأقنعة فيظهرون أمام الناس في الخارج و كأنهم ملائكة، ثم ينقلبون داخل بيوتهم إلى شياطين!.
و قس على هذا العديد من المظاهر الخادعة كالاهتمام بنظافة الشوارع الرئيسية و إهمال نظافة الشوارع الخلفية، أو الاهتمام بمظهر الأبناء و إظهار علامات العز و الثراء عليهم، و إهمال النواحي الفكرية و العقلية، أو ارتداء البعض مسوح الحكمة و الرشاد في الوقت الذي يسعى فيه في الأرض فساداً، أو الاهتمام بإكرام الغرباء و البخل الشديد مع الأبناء، أو أخذ الحقوق مع تسويف الواجبات، أو ادعاء الالتزام مع الانفلات التام، أو الهوة السحيقة و البون الشاسع بين القول و العمل و بين الابتسام من أمام و سلوك اللئام من وراء لثام...!
إن الصورة الحقيقية التي يسعى البعض لإخفاء ملامح قبحها بعمليات تزييف و تزوير مكلف و متكلف، لن تلبث أن ينفضح أمرها و ينكشف سترها طال الزمن أو قصر، فضلاً عن عدم قناعة الآخر الذي لا يملأ عينيه إلا التراب و ينطبق عليه الوصف (لا يعجبه العجب)... و لنا في حكاية جحا و ابنه العبرة و المثل: فعندما ركب الحمار و سار ابنه بجانبه؛ لامه الناس على عدم رحمته بهذا الصغير، فأركب ابنه و سار هو؛ فلاموا الابن لعدم بره بوالده، فركبا معا؛ فاتهموهما بعدم الرفق بالحيوان؛ فهبطا و سارا بجوار الحمار؛
فاتهموهما بالجهل و الغباء لعدم استفادتهما من وجود دابة معهما، فما كان من جحا إلا أن حمل حماره ليرضي الناس فاتهموه بالخبل و الجنون!... إن الباحثين عن وسيلة لإرضاء الناس سيعجزهم الوصول إلى الهدف مهما بذلوا من جهد و أنفقوا من مال، أما الساعون في طريق الخير ابتغاء مرضاة الله فلن يضيع جهدهم هباء، و سينالون منه سبحانه وتعالى عظيم الأجر والثواب، في الحياة الدنيا و عند الحساب.
http://www.alriyadh.com/2009/08/24/article454547.html